shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
إبحار في محيط حسن فتح الباب 
 مقدمات كتب آخرين

    صدر بتاريخ (2002)

قبل أن نقلد هذا الطود قلائد الألقاب من دكتور ولواء وشاعر ، وكاتب وأديب ، ومناضل يجب أن نبحر في لجة أعماق إنسان مصري عربي مسلم الدين .
انبلجت به حقبة زمنية من حقب التحولات الرهيبة في عصر الضعف القومي العربي والقوة العاتية الغربية المستيقظة بعد سبات التمزق على سياط الحرب العالمية الأولى التي كانت تشكل أرقام المجس التقديري لنهضة الغرب وبداية تفهم لضرورة إعادة بلورة الحياة الدولية في الغرب المسيحي على قاعدة العلمانية اللادينية شكلاً اجتماعياً وفكراً سياسيا،ً فبدأت مراحل التطور والإنتاج والثروة والتفوق العسكري ، وبلغت الأوج في الثروة والنهم التجاري والإنتاج الزراعي .
وحين ذاك كان واقع الأمة العربية واقعاً محزناً كئيباً بين خضوع سياسي ورضوخ اقتصادي واستعمار احتلالي عسكري وجمود ثقافي تباينت جراء تلك الأوضاع الطبائع الإنسانية والأحوال الاقتصادية على كافة الأقطار العربية المحتلة المستعمرة، إما لبريطانيا الملكية ، أو لفرنسا الجمهورية أو لإيطاليا الفاشية .
فكانت مصر منبت هذا الطود ومسقط رأسه الشامخ ترزح تحت الاحتلال البريطاني عسكرياً وسياسياً وتضع محلياً لحكم ملكي مترف فيه استعلاء أبناء العوائل الإقطاعية المالكة ، وفيه أبناء الفلاحين الفقراء الكادحين، ومن بين أوضار تلك الأوضاع المتلبدة بمشاعر الظلم والقهر والفقر والاستعمار والاضطهاد ولد الشاعر الدكتور اللواء حسن فتح الباب في حي شبرا من القاهرة العاصمة المصرية التي لا تنام ، ومن حارة شعبية تسمى حارة ( المجدلي ) ليبدأ وعيه في عمر اليفاعة وبواكير الصِّبا بأمر فصول الحياة وهو اليتم ، وقلما نجا من الضياع صبي حرم من رعاية الأب وكفالته ، فهو ناشئ في حدائق الحزن وأفياء الكمد بين أن لا يجد ما يجده طفل من أترابه وبين أن يحرم من دفء النداء القدسي اللذيذ ( بابا ) وزاد من تجرعه كأس المرار خيرة أقرانه وأقاربه من زملاء دراسته ورفقاء مشاغبات طفولته خاصة وهو يدفع ضريبة نبوغه المبكر وزكاة حصته من الذكاء الذي عوضه الله به عن حنان أبيه الراحل .
لقد انهمرت أدمعي عندما استوقفتني قصة هذا الناشئ الذي تقاذفته الحاجة وحرم من قبلات الحنان وتشابهت سيرة بداياته مع بدايات شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي غادر مربع الصِّبا وهو يقول لخاله :

ثقلت عليك مؤونتي ________________________
فاخرح فإني ذاهب ________________________

 

إني أراها واهية ________________________
متوجه في داهية ________________________

ولم تكن أوضاع المسيحيين في مصر أمثل حالاً من أحوال المسلمين، وليس لهما سوى المشاركة في ظلم الاستعمار وإقطاعية الملكية.
لذلك كانت المدارس جميعها مسيحيتها ومسلمتها تقف في صف التحدي في مواجهة التغريب وتعبئة الناشئة بالتحفز والتطلع لبناء المستقبل المغمور تحت كثبان الواقع الملبد بسجون الظلم والاضطهاد ، ذلك ما قد تعلمه الطفل حسن فتح الباب من مدرسة الإيمان القبطية التي شهد لها بوفائه وصفاء فطرته بحفاظها على المشاعر الأخوية والوحدة الإنسانية لأبناء الديانتين المتجاورتين ، غير أن مما لا شك فيه أنه قد شبَّ في عروقه إبان شبابه صوت الأمير شوقي وهو يبكي دمشق وما لاقت من فظاظة القصف المدفعي الفرنسي ليلة احتلالها بقوله :

وللمستعمرين وإن ألانوا ________________________
وللحرية الحمراء باب ________________________

 

قلوب كالحجارة لا تَرِقُّ ________________________
بكل يد مضرخة يُدَقُّ ________________________

في أمسه كان يبكي مدينة السلام والإسلام التركية ( أدرنة ) وقد نسفها الإنكليز والحلفاء واستولوا عليها مع اقتراب هزيمة تركيا .

يا أخت أندلس عليك سلام ________________________
سقط الهلال عن السماء فليتها ________________________

 

هوت الخلافة عنك والإسلام ________________________
طويت وعم العالمين ظلام ________________________

فبين هذه الأجواء النائحة والنادبة هنا وهناك بالإضافة إلى آلام النشأة وأحزان اليتم والحرمان صلب عود شاعرنا حسن فتح الباب، وتصلبت في عروق عزيمته إرادة البحث عن ذلك المتطلع إلى الحرية والانطلاق لكسر القيود والأغلال مشحوناً بالعداء للرأسمالية والإقطاع معتنقاً مذهب الرفض والمقاومة الذي كانت تدعو إليه القوى القومية من اشتراكية أو ماركسية أو وطنية أو إسلامية باحثاً عن وميض الفجر الأشقر الذي يجثث ( يجتث ) الظلم والاستعمار ويحرر الأرض والإنسان .
كان الطريق الوحيد بعد تلقي الدراسة والنضج الثقافي الأول هو الانتماء للمؤسسة العسكرية سواء المدنية كالأمن أو الحربية كالجيش كما كان هو درب الاكتفاء عن الغير وسبيل الالتحاق بالمنح الدراسية في خارج مصر .
وكما ذهب أديبنا العملاق بفكرة المقاوم للدراسة إلى المجتمع الغربي الأمريكي عاد وقد زاد من عقيدة الرفض والمقاومة خلافاً لما كان يرجى منه قبل الرحيل .
تدرج في الرتب العسكرية تدرجاً كمن ينحتها من جملود صخر وانعكست تلك الفكرة المخطورة في مناهل عطائه الكتابي وشعره الحر في مطلع ظهور المدرسة الجديدة للأدب العربي الحديث وزاد من استعداء الحكام عليه والخانعين تحت قبعات التزلف والطمع حتى وجد نفسه مطلوباً على كل قوائم الحرمان محذوراً منه في كثير من الوظائف ومراكز القرار يوم لا صوت لأحد يعلو صوت التطبيع مع إسرائيل المحتلة لديار العروبة ومقدسات الإسلام والمسيحية، فغادر الوطن الحبيب في رحلة نفي اختياري مغاضب نحو جبال الأوراس ثورة المليون شهيد وآخر رمز التصدي والنضال ، وفي حناياه ثورة لا تخمد وبركان يتهيج ويتوقد أما أدبه الكتابي والخطابي فقد لامست فيه روحه وأريحيته وفاء وحبا لا غموض فيه ولا مواربة ولا تستر .
فمنذ عرفته في فناء منتدى المثقف العربي الذي أرعاه بالقاهرة وهو صدّاح أمسياته الشعرية إلى ارتفاقنا معاً في رحلة أدبية يانعة بالإبداع والعطاء على متن الطائرة المصرية إلى الجزائر وإلى غرداية موئل الشاعر الجزائري الثائر مفدي زكريا في الذكرى الخامسة والعشرين لرحيله فتألقت بنا الساعات وتعارفت بنا الأرواح ، وقد رأيته في الجزائر يحتل مواطن الحب ويسكن شغاف القلوب التي اتخذها موطناً وموئلاً .
شاعر الصورة الجديدة :
يتميز شعر الدكتور حسن فتح الباب عن غيره بالصورة غير المتكلفة ذات الاطراد غير المسبوق في قوالب جديدة عفوية تحدث عن وجدانية شاعرية مطبوعة بغير تطبع .
ففي شعر الصِّبا منه تراه يصور حادثة المدرسة ومعركة الأطفال في نص خافت النبرات بديع الوصف :
تصايح الطلاب يوم السبت .
لما رأو مشاهد المعركة .
تناثرت محابر الأدراج .
لم تنج مما سال من مداد .
كراسة وما نجا كتاب .
فلا أخال هذا الوصف التوثيقي يبارح ذاكرة قارئه إذ كل طالب مثله رأي ما يشابه هذا الحدث لكنه لم ير الكتاب وقد تحول كالإنسان يبحث عن منجى، فلم يجد ، إلا أن الصورة الوصفية تقدمت مع الشاعر كلما تقدمت به المواهب وتجددت معه وسائل اللغة وفتوة العبارات، كما نراه يحلق في عنان الصور الوصفية لقلة الماء في شرفة الدار :
في شرفة البيت الصغير الفقير .
صفت قلال باسمات الثغور .
مشعشات الماء بالنعاع
وكلما هب نسيم الشمال .
رفت على قلوبنا الأحلام .
فما أكمل وأجمل هذه الصورة الفنية لأحلام ترفرف على القلوب وقلال ذات ثغور باسمة . لكنه في عمر النضج والاكتمال تألق مستكملاً آلات البيان وأركان البنيان الشعرية وقد أدلل على كل ذلك بقصيدته الرائعة المتينة السياسية :
يصنفك الأشقاء مع الأشقاء .
من النيل حتى شظايا القمر .
عليك أنا علي صحة البوح والصمت .
والجرح والمقت يا وطن مستهام بواديك .
يسكنني عشقه في الزمان الشجي .
ليقتلني في زمن الخليين .
بين النعي؟؟ الكئيب وبين المرايا .
عليك أنا الأجنبي المريب .
على أرض ( طيبة ) في بيت ( عمرو ) .
وطرقة ( طارق ) فوق طوق النجاة .
فهيت لك إلى هذا الجمال الفني والوضوح التعبيري الرصين لغة وفناً حتى لا تكاد تخلو منه شطرة إلا وفيها صورة أو تشبيه يذوب ويذيب عذوبة ورقة وإبداعاً .
وفي كلمتي هذه التي أزعم أني ورَّيت عما أريد الإفصاح عنه بوضوح شديد لأنني سجين بالصفة المكروهة إلى نفسي مكبل بقيود الدبلوماسية الرسمية بصفتي سفيراً لليمن في عالم الشتات القومي والتشرذم العربي .
وإلا فالحديث من السيرة الذاتية ( أقترح تغيير الذاتية بالشخصية أو سيرة هذا العلم ) لهذا العلم الخفاق أمتع لقلبي أن يكشف عن مكنون خباياه وعن هموم رابضة في الأنحاء من زواياه وحسبي القول الصوفي :

يا رب جوهر علمٍ لو أبوح به ________________________
ولا استحلَّ رجال مسلمون دمي ________________________

 

لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ________________________
يرون أقبح ما يأتونه حسنا . ________________________

فسلام عليك أيها النيل الثائر الأديب حسن فتح الباب ولله درك غفارياً ثائراً تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك .
ولي عليك رجا قد يتحول إلى عتاب إذا التقينا في الآخرة إذا أنت لم تكتب كل مذكراتك من لياليك وأيامك بما رأيت وسمعت لأنك شاهد عصرٍ خانه الحكام في محكمة الزمن وأنصتوا لكل شهادة زورية اللفظ والمضمون .
فاكتب واكتب لأجيال لا قيود عليها ولا أغلال من الرأسمالية التي كفرت بها وكذبت أنبياءها ورسلها وكتبهم المقدسة باليورانيوم المخصب والفيتو الغشوم .
ودُم مغرداً في خميلة الإبداع والأدب والفن بعمر مديد .

رئيس مؤسسة الإبداع اليمنية
رئيس منتدى المثقف العربي بالقاهرة
السفير الدكتور عبد الولي الشميري اليمني
القاهرة
1 / 9 / 2002م

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com